طيور الجنة " إرهابية "
كتب /حمد الماجد -الشرق الأوسط
هذه
البراعم التي تبدو بريئة وهي تطرب الأطفال وتدندن لهم وتزعم أنها «طيور
الجنة» صارت بالنسبة لنا طيرا أبابيل، ترمينا بالحجارة لتجعلنا كعصف مأكول.
اقتلوهم.. أبيدوا «طيور الجنة» وهم صغار لأنهم حتما سيتحولون إلى إرهابيين
إذا كبروا، سنأخذ بمبدأ الضربة الاستباقية، فنقضي على «طيور الجنة» قبل أن
تدخلنا في إرهاب جهنم، علينا أن نستيقظ من سباتنا ونحذر من خطرهم لأن هذه
الطيور شر علينا، ولا يلدون إلا متطرفا إرهابيا.
هذه صرخات استغاثة
أطلقها عدد من الصهاينة اليساريين في إسرائيل ضد قناة «طيور الجنة»
الشهيرة ونشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، كما كتبت الصحيفة نص
الأنشودة الشهيرة «لما نستشهد بنروح الجنة» وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية،
زاعمين أن هذه الأنشودة وعددا من الأناشيد التي تبثها قناة «طيور الجنة»
تحريضية وإرهابية.
قناة «طيور الجنة» التي اكتسحت ساحة الفضائيات
العربية، لتكون من الأوائل مشاهدة بين الأطفال العرب، إن لم تكن الأولى على
الإطلاق، دخلت في سلك مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالأنشودة الطفولية
البريئة، حتى كانت أنشودة «كنت قاعدة» ذات الإخراج المحترف الأكثر مشاهدة
في «يوتيوب»، أكبر بنك إلكتروني عالمي للقطات الفيديو، فقد تجاوز عدد الذين
دخلوا على هذه الأنشودة ما يربو على الأربعة ملايين، هذا ناهيك عن
المنتديات التي عرضتها أو المشاهدين الذين حفظوها في حواسبهم، أو المحلات
التي نسختها بطريقة نظامية وغير نظامية، كلماتها نسجت باللهجة الفلسطينية
الجميلة البسيطة، وسرها في بساطتها.
الأنشودة تصور بيتا فلسطينيا
بسيطا تحت الاحتلال الإسرائيلي يظهر فيه الأب في حوش البيت يسقي الليمونة،
والأم تصنع الخبز الفلسطيني، فجأة ظهر في المشهد صهيوني يحاول إقناع الطفلة
بالاحتلال الإسرائيلي. وكعادة اللوبي الصهيوني في خداع الشعوب، حاول هذا
الإسرائيلي أن يكسو عدوانيته بتلطفه المتصنع مع الطفلة «ناداني يا أمورة يا
أحلى العصافير، قال لي إحنا فوق فوق وإنتوا في الوديان، نعطيكوا شوية حقوق
وتعطونا الكوشان، نعطيكوا الهوا والفي.. نعطيكوا من النهر مي.. نعطيكوا من
الشمس ضي.. وتعيشوا بأمان».
وكان الرد الطفولي الصارم الذي قضى على
كل إمكانية لتطبيع الجيل العربي والفلسطيني الجديد: «مهما طال الزمن ودار
وتخلى الأهل والجار، عن أرضي أرض الأحرار ما راح أتخلى.. ما راح أتخلى»
ليتردد صداها على أسماع عشرات ملايين الأطفال من المحيط إلى الخليج يتمتمون
بها قياما وقعودا وعلى جنوبهم.
ثلاث دقائق، هي مدة هذه
الأنشودة المؤثرة، استطاعت أن تسهم في تقويض ثلاثة عقود من العمل الصهيوني
المتواصل لتسميم الطفولة العربية بقبول كيانهم الدخيل.. ثلاث دقائق من
العمل الفني البسيط جعلت من مسيرة المفاوضات المتعثرة أضحوكة يتندر بها
الجيل الجديد، كما يتندر بتعليقات جحا وعادل إمام والقصبي، ولهذا لا لوم
على الصهاينة الإرهابيين الذين دعوا إلى قتل «طيور الجنة» لأنهم سيكونون
عدوا وحزنا على الطغاة الإسرائيليين، كما كان نبيهم موسى، عليه الصلاة
والسلام، عدوا وحزنا على الطاغية فرعون.
المعركة الإعلامية مع إسرائيل
لا تقل أهمية وخطورة عن المعركة الحربية، وإعداد العدة لأي حرب مقبلة يجب
أن يصاحبه إعداد للعدة الإعلامية، والصهاينة وحدهم الذين أدركوا خطورة نجاح
وانتشار قناة جماهيرية مؤثرة مثل قناة «طيور الجنة»، لأنهم اعتبروها قاذفة
إعلامية للصواريخ، خاصة أن الصهاينة أساتذة في هذا الفن، بعد أن دكوا
العالم كله بصناعتهم الإعلامية المؤثرة، ولهذا يسوءهم جدا أن يستخدم خصومهم
سلاحهم نفسه الذي في أيديهم.